رؤى وأفكارشأن عام

عن إعادة الإعمار في سورية – إجابات عن أسئلة ضمن مشروع الحوار السوري

في جولة من جولات مشروع الحوار السوري، ، دعيت للإدلاء برأيي في موضوع إعادة الإعمار، وقد طرح القائمون على المبادرة مدخلاً لطرح الآراء على عدد من المشاركين كان على الشكل التالي :

خلفت الحرب عناوين صعبة ومعظمها تدخل ضمن الأوراق السياسية التي يمكن طرحها لتحديد شكل سورية مستقبلا، وبغض النظر عن الصراعات الدائرة عبر المؤتمرات والتحرك الدبلوماسي؛ فإن سورية حتى اللحظة لم تشهد رؤية واضحة يمكن الاستناد إليها لعودة الاستقرار المستدام، ويبدو “إعادة الإعمار” عنوان إشكالي يمكن أن يتشابك مع كافة المسائل الأخرى المرتبطة بالمستقبل السوري.

لكن إعادة الإعمار يُنتج هوامش افتراضية في كثير من الأحيان؛ بعضها يتعلق بتكاليف هذا الموضوع، وبعضها الآخر يرتبط بأحلام إنتاج عمران قادر على إنهاء المشاكل السكانية والبيئية، وبالتأكيد فإن من يعرف الجغرافية السورية يدرك فورا حجم “المدن المنسية” أو “القلاع” التي بقيت لقرون مجرد عمارة مهجورة، ويعرف أيضا أن المدن السورية دمرت أكثر من مرة وعاد بعضها للظهور دون أن تتبدل كثيرا في مظهرها أو حتى وظائفها، فالإعمار السوري كان في كثير من الأحيان احتياجا لتشكيل الدولة، وسورية كما نعرفها قبل 2011 تطورت وفق سياق استراتيجية توزيع “القوة” في داخلها والمخاطر التي تهددها من الخارج.

عمليا فإن إعادة الإعمار كعنوان دولي لا يعني الذهاب بقوة نحو دعم سورية، بل إنهاكها واستنفاذ طاقتها أحيانا، وفرز القوى الموجودة فيها أيضا كما حدث في لبنان عندما ظهر مشروع إعمار وسط بيروت، ورغم أن الموضوع في سورية أعقد بكثير لكنه لا يخرج بالنسبة للمؤسسات المالية الدولية عن النموذج اللبناني، فالإعمار القادم من خارج سورية سيلعب بالخارطة السياسية شئنا أم أبينا.

في الحوار التالي صورة واضحة عن إشكالية إعادة الإعمار عندما تتم على هامش الحروب، فهي تتحرك على خطوط الاحتياجات الضرورية لإنهاء معاناة السكان ولكنها محاطة بالمخاوف من قبل جميع المشاركين على اختلاف اختصاصاتهم، ففي هذا الحوار محاولة لـ”إسقاط” الشرط السياسي والتعرف على مسائل “إعادة الإعمار” من السوريين أنفسهم، فالشريحة عشوائية من حيث الاختصاصات ولكنها في نفس الوقت تمثل سياقا عاما ينظر بترقب لسورية ما بعد الحرب، فإعادة الإعمار موضوع شائك ويتجاوز مسألة إبداء الرأي حتى من اختصاصي، لأنه في النهاية جدل مخاوف وطموحات ورؤى لم تفرقها الحرب فقط، بل أيضا النظر لتبعات ما بعد الحرب ولتأسيس واقع يمنع تكرارها مستقبلا.

هذه الخطوة للحوار ضرورية حتى ولو لم تحيط بكافة مسائل هذه القضية الشائكة، فهي مكاشفة حقيقية لتفكير السوريين خارج الشكل الرسمي الذي تفرضه المؤتمرات أو اللقاءات الإعلامية لأنه يقدم نقطة انطلاق ضرورية للتعامل ليس فقط مع إعادة الإعمار بل مع معظم القضايا السورية

وكان الرأي الذي قمت بطرحه على الشكل التالي:

ينبغي على عملية إعادة الإعمار أن تأخذ بعين الاعتبار مئات آلاف اللاجئين الموجودين في دول الجوار، فعودة المواطنين السوريين من دول اللجوء ستكون مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بعملية إعادة إعمار بلداتهم ومدنهم وأماكن سكنهم الأصلية، لذلك إن إعطاء الأولوية لهذه المناطق سيشجع هؤلاء المواطنين على العودة إلى وطنهم والمساهمة في إعادة الإعمار فيه. لا سيما وأن هذه العملية ستقوم بتوفير مئات الآلاف من فرص العمل سيكون هؤلاء المواطنين هم أساسها، وبالتالي ينبغي أن تكون هذه العملية مضبوطة وفق رؤية وخطة وطنية اقتصادية شاملة، بعيداً عن العشوائية، تبدأ هذه الخطة بالبنى التحتية في المدن والمناطق المدمرة، ثم تذهب تدريجياً باتجاه الخدمات الأخرى، وعليه يجب البدء بمشاريع وبرامج تقوم بتمكين المواطنين مما يساعدهم على البقاء وتؤمن لهم فرصاً للعيش الكريم.

إن عملية إعادة الإعمار تتطلب وبشكل دقيق مراعاة عدم الارتهان لأجندات لا تخدم المجتمع السوري بشكل كامل، و وبالتالي ينبغي على من يدير هذه العملية عدم ترتيب أعباء مستقبلية على الأجيال القادمة من الشعب السوري، وعلى اعتبار أن الخيارات المالية الكبيرة ليست متنوعة وأحياناً ليست متاحة، فإنها في الوقت ذاته يجب ألا ترتبط بشكل من الأشكال بأي شروط أو إملاءات سياسية خارجية، وعلى ذلك ينبغي على مخططي إعادة الإعمار الدراسة الحثيثة لإمكانات السوريين أولاً، سواء من خلال السعي وراء رؤوس الأموال السورية المنتشرة حول العالم، وترغيبها بالعودة والاستثمار في عملية إعادة إعمار البلاد، وفتح الباب أمام الدول التي دعمت سورية، والتي لم تتورط بدعم الإرهاب فيها. إن أي عملية لإعادة الإعمار يجب أن تتطلب بالحد الأدنى عدم الرضوخ لإملاءات سياسية، وعلى الدول التي ترغب بدعم هذه العملية تفعيل علاقاتها السياسية بشكل كامل مع سورية ودون شروط سياسية قبل الحديث عن إعادة الإعمار.

بالإضافة إلى ذلك، فإنه ينبغي على الحكومة إعادة دراسة إمكانات البنية الاقتصادية والاجتماعية السورية، ودعم القطاعات الأكثر انتاجاً بدل البحث عن بدائل اقتصادية قد ترتب قروضاً ضخمة وأعباء لا يستحملها المواطن السوري الحالي أو الأجيال القادمة. فعلى سبيل المثال، الاهتمام بإصلاح الأراضي الزراعية سيكون مفيداً للغاية من ناحية تأمين الكفاية الغذائية الذاتية لسورية خلال خطة محكمة، لا سيما إذا علمنا أن القطاع الزراعي السوري قبل الحرب كان من أكثر القطاعات المنتجة والتي أدت بدورها إلى كفاية غذائية ذاتية في الأساسيات في سورية ولسنوات طويلة، بمقابل خسارات هائلة طالت هذا القطاع في الحرب أدت لاضطرار الحكومة السورية للجوء إلى استيراد الكثير من المواد الغذائية وعلى رأسها القمح الذي كان مخزونه في سورية مضرب مثل للدول قبل الحرب. كما أن تركيز الاهتمام على هذا القطاع ورفع إنتاجيته ستعيد مستويات التصدير إلى ما كانت عليه قبل الحرب، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أن صادرات سورية ومنتجاتها الزراعية مفضّلة في كثير من دول العالم وعلى رأسها زيت الزيتون والقطن والفستق الحلبي واللوز والحمضيات. إضافة لإيلاء الاهتمام الكبير بالغاز والنفط السوريين المتوقع وجودهما في المياه الاقليمية السورية مع الأخذ بعين الاعتبار كميات النفط السورية المتواجدة في منطقة الجزيرة التي ما زالت تعتبر منطقة أعمال حربية حتى الآن بسبب وجود داعش والقوات الأمريكية هناك.

إن من شأن هذه السياسات تأمين كمية من المال قد تكون قادرة على إنعاش الاقتصاد السوري، ودفعه للأمام، لاستثمار هذه الأموال بشكل كبير في عملية إعادة الإعمار، شرط أن تكون هذه العملية مرهونة بإعادة النظر بالتشريعات الاقتصادية والمالية والضريبية المتعلقة بهذه العملية، وتمكن البنية القانونية لعملية إعادة الإعمار، عبر مكافحة الفساد وإبعاد المحسوبيات وإتمام عملية الإصلاح الإداري المطلوبة.


بإمكانكم متابعة كامل المشاركات للأصدقاء المشاركين بهذه المبادرة من خلال : هذا الرابط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى